09 - 05 - 2025

عجاجيات | كعك أمي والعيد

عجاجيات | كعك أمي والعيد

تتداعى المشاهد أمام عيني وكأنها شريط سينمائي وكأنها حدثت بالأمس ولم يمر عليها عشرات السنين... أمى وشقيقاتى وبعض جاراتنا يتجمعن ويتحلقن حول الطبلية لصنع كعك أو بالأحري كحك العيد.. المناقشات تدور حول نوعية الدقيق ورائحة الكحك ونسبة الزبدة ونسبة السمن النباتى أو الصناعى والخميرة... كانت أمى رحمها الله أستاذة الأساتذة في إعداد عجينة الكحك والبسكويت والغريبة بالفطرة... لم تكن تستخدم موازين أو مكاييل .. كانت يدها ميزانا، وتبدأ كل الخطوات بسم الله.. أما شقيقاتى فتفوقن فى تشكيل الكحك ونقشه وتشغيل ماكينة البسكويت وتغيير الاشكال التى تخرجها فضلا عن رص الكحك والبسكويت والغريبة فى الصاجات.

وكنت أنا أحد المكلفين بحمل الصاجات والذهاب بها إلى الفرن النفادي الذى يديره الحاج تاحا فى حارة السقايين أو الفرن الموجود فى حارة معمل الطرشى والذى يديره الحاج يوسف شقيق تاحا.. وكانت من مهامى تعليم الصاجات بكتابة اسمائنا عليها بالطباشير الأبيض.

كانت لحظة خروج الصاجات من الفرن من اللحظات السعيدة.. وكانت أول ما تقوم به أمى إعداد أطباق الكحك لتوزيعها على الجارات المسيحيات والمسلمات على حد سواء، والتى حالت ظروفهن دون إعداد الكحك.

وكانت أمي رحمها الله تخزن ما أنتجته وصنعته من أنواع الكحك في أواني وعلب تضعها تحت السرير ذا الأعمدة الحديدية.. وكان هذا المخزون يكفينا عدة شهور وصولا لعيد الأضحى ويمكننا من الاحتفاء بالضيوف، بل ويتيح لنا أن نقدم الهدايا إذا قمنا بزيارات خارجية.

كانت تلك المشاهد فى ستينيات القرن الماضي، قبل اختراع الإنترنت واليوتيوب والتيك توك والإنستجرام، وقبل انتشار برامج الطبخ بصورة مبالغ فيها جعلت فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسى يتحدث عنها ويتساءل: هل نحن فى حاجة إلى من يعلمنا كيف نأكل.. لم تكن أمي تستعين بوصفات الشيف الشربينى ولا ابنه الشيف علاء ولا الشيف حسن ولا الشيف المغازي، والذين تحولوا إلى رجال أعمال ونجوم مجتمع وإعلانات.. كانت أمى رحمها الله تتفوق عليهم جميعا بفطرتها وإحساسها، رغم أنها لم تدرس فى كلية السياحة والفنادق ولم تمتلك قناة على اليوتيوب تدر عليها آلاف الدولارات.

تداعت هذه المشاهد أمامى وأنا أتابع الإعلانات التى تشى بأسعار فلكية لكحك العيد هذا العام، تتماشى مع موجة التضخم العالمية، فحتى كحك العيد تأثر بالحرب الروسية الأوكرانية.

رجائي منكم جميعا أن تجتهدوا في إحياء سنة الاطباق الطائرة التى تحمل الحب للجيران وتجبر الخواطر، وأن تسألوا الله سبحانه وتعالى أن يرحم كل أمهاتنا وآبائنا وأن يجعل عيدهم في الجنة.
------------------------------
بقلم: عبدالغني عجاج

مقالات اخرى للكاتب

عجاجيات | الرقص فى المترو